تدل الشواهد التاريخية والاثرية علي ان مصر القديمة كانت اول دولة في تاريخ العالم القديم عرفت " الكتابة" وانتقلت بذلك من عصور ماقبل التاريخ الي العصور التاريخيه بمراحلها المتتابعة عبر مئات والاف السنين وكانت اهم ميزة يتميز بها انسان علي اخر هي القدرة علي معرفة الكتابة والقراءة حيث يصبح هناك فرق اجتماعي شاسع بين الانسان المتعلم والانسان الأمي الذي لايكتب ولايقرأ.
واذا كانت الحضارة الانسانيه الحديثة تتضمن تقسيم مراحل التعليم الي ثلاث مراحل تعليمية هي : مرحلةالتعليم الاولي او الابتدائي ومرحلة التعليم المتوسط ومرحلة التعليم العالي .. فمن الغريب ان مصر القديمة قد عرفت هذه المراحل التعليمية الثلاث خلال تاريخها المتتابع عبر ألاف السنين من التطور الحضاري الذي حققته مصر القديمة والمصريون القدماء.
وكانت مرحلة التعليم الابتدائي او الاولي في مصر القديمة تشبه الي حد كبير التعليم البسيط الذي كان يتلقاه الصبيه في "الكتاتيب " التي كانت منتشرةفي القري والمدن المصرية الصغيرة حيث يتعلم الاطفال مباديء الكتابة والقراءة ومباديءقواعد اللغة وقواعد الحساب وبعض المعارف العامة وكان هذا التعليم الابتدائي في مصر القديمة كافيا لتأهيل وتعيين الخريج كموظف صغير في دواوين الحكومة المحلية أو المركزية.
وفي بداية الامر لم تكن مرحلة التعليم الاولي او الابتدائي متاحة لجميع ابناء الشعب المصري القديم بل كانت مقصورة فقط علي ابناء الامراء والنبلاء ورجال الدين وكبار موظفي الدولة. وظل هذا التمييز بين ابناء الشعب المصري القديم حتي قيام الثورة ضد نظام الحكم في اواخرعصر الدولة القديمة حيث ازيل نظام الطبقات وتساوي الجميع امام القانون وهكذا اتيح التعليم امام ابناء كل العائلات القادرة علي الانفاق لتعليم هؤلاء الابناء وتدل الشواهد علي ان مدة التعليم في تلك المرحلة الاولي كانت تتراوح مابين اربع وخمس سنوات .
اما مرحلة التعليم المتوسط فقد كان لها طابع خاص في مصر القديمة حيث كان يتم تدريب الطلاب في تلك المرحلة تدريبا مهنيا خاصا يتلقونه علي ايدي طائفة من الموظفين القدماء من ذوي التجارب الادارية المختلفة سواء في التخصصات المالية او في ادارات الجيش او ادارة الانشطة الزراعية او ادارة الثروه الحيوانيه او في ادارة ورعاية الشئون الدينية في المعابد .. وبطبيعة الحال فقد كان الالتحاق بهذه المرحله من التعليم المتوسط قاصرا علي الطلاب الذين اكملوا مرحلة التعليم الاولي او الابتدائي.
اما مرحلة التعليم العالي فقد نشأت في اول الامر في قصور الملوك والمعابد الدينية الكبري وكانت قاصرةعلي الامراء الصغار وابناء النبلاء وكبار رجال الدولة والبلاط الملكي واضيف اليهم فيما بعد ابناء حكام فلسطين والمناطق السورية وابناء حكام النوبة وكافة المناطق الاخريالتي دخلت في نطاق الامبراطورية المصرية واصبحت تابعه للحكم المصري .
وكان الهدف السياسي لهذه المرحلة من التعليم العالي هو الجمع بين المناهج العلمية والتدريب العملي علي اداب اللياقة والسلوكيات الراقية المتعلقة بتقاليد البلاط الملكي وتعريف الطلاب بسبل الولاء للفرعون وتلقينهم مايناسبهم من واجبات المناصب والوظائف العليا بالدولة.
وتاتي بعد ذلك المناهج العلمية حيث تدرس للطلاب مجموعة من العلوم التطبيقية مثل علوم الطب البشري والطب البيطري وعلوم الكيمياء والعقاقيروالتبحر في علوم الحساب والهندسة والعمارة وفنون الزخرفة والنقوش الجدارية وعلوم التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وعلوم الثقافة العامة والادب شعرا ونثرا بالاضافة الي التدريب علي الانشطة العسكرية .
وهناك اجماع بين علماء المصريات من مصريين واجانب علي فضل مصر القديمة علي العالم كله .حين تبين لهم بصفة قاطعة ان مصر كانت المنبع الذي انبثقت منه اول خطوة في سبيل تقدم الانسانيه نحو الحضارةالراقية باعتبار ان الشعب المصري القديم كان اول شعب من شعوب العالم اهتدي الي فكرة " الكتابة" هذه الكتابة التي اطلق عليها الاغريق اسم الخط الهيروجليفي اي الخط المقدس الذي يعتبر فتحا مبينا جديدا في تاريخ الحضارة الانسانية .
وهناك شبه اجماع ايضا بين هؤلاء العلماء علي ان فكرةالكتابه ظهرت في مناطق الدلتا والوجه البحري بصفة عامة قبل ان يعرفها اهل الصعيد . وقد توصل العلماء الي هذا الرأي بالرغم من ان اثباته بأدلة قاطعة يكاد أن يكون مستحيلا لعدم العثور حتي الان علي أية ادلة اثرية تؤيده ..وبالرغم أيضا من ان اقدم الوثائق التاريخيه والاثرية التي تحمل اقدم الوثائق التاريخية والاثرية التي تحمل اقدم اثار للكتابةالمصريةالقديمة كانت وثائق عثرعليها في اثار الوجه القبلي .
كذلك تبين ان من الصعب تحديد الوقت الذي اخترع فيه المصريون القدماء الاوائل فن الكتابه والرأ ي الراجح حاليا هو ان هذا الوقت يرجع الي قبيل عصر الاسرة الاولي ( اي قبيل عام 3200 قبل الميلاد) وذلك استنادا الي العثور علي اللوح الاثري المنسوب الي الملك العقرب وكذلك العثور علي اللوح الاثري المنسوب الي الملك نارمر الذي اسس الاسرة الاولي حسب ارجح الاراء .
وماان ظهرت هذه البوادر الاثريةالاولي لفكرة الكتابة حتي انتشرت علي نطاق واسع باعتبارها خير وسيلة لتسجيل ماتوصل اليه هؤلاء المصريون القدماء الاوائل من رقي حضاري كما استمر تقدم الكتابة وتطورها بسبب كثرة المواد الصالحة لتسجيل الكتابه عليها مثل الاحجار والالواح الخشبية واوراق البردي التي توجد بكثرةمع رخص ثمنها وسهولة حملها وتناولها .
وكانت الكتابة تم منذ بداية ظهورها باشارات وعلامات مرسومةتمثل مافي الطبيعة من انسان وحيوان ونبات وطير وهذا النوع من الكتابة اطلق عليه اسم الكتابه بالخط الهيروجليفي والخط المقدس مثما ذكرنا من قبل وقد استخدم هذا الخط في الكتابة علي جدران المعابد والمقابر.
وبالنظرالي صعوبة الكتابة بهذا الخط الهيروجليفي حيث تتطلب الكتابه به اجادة رسم اشكال هذه الاشارات والعلامات فقد ابتكر المصريون القدماء نوعا اخر من الخط اطلق عليه اسم الخط الهيراطيقي اي الخط الكهنوتي وهو تطوير وتبسيط للخط الهيروجليفي استخدمه كهنة المعابد في بداية الامر ثم انتشر بعد ذلك علي نطاق واسع بين الناس العاديين.
وبمرور مئات السنين وفي العصر المتاخر من تاريخ مصر القديم ابتكر المصريون نوعا ثالثا من الخط اطلق عليه اسم الخط الديموطيقي اي الخط الشعبي وكانت تكتب به اللغة المصريةالدارجة واستعمل في كتابة وتسجيل العقود بكافة انوعها كعقودالزواج والبيع والشراء وتأجير العقارات والمراسلات الشخصية.
وعندما دخلت المسيحية الي مصر وانتشرت بين طوائف كثيرة من ابناء الشعب الذين امنوا بهذا الفكر الديني الجديدوارادوا التخلص منن اثارالوثنيه فبدأوا يكتبون اللغة المصريةبالحروف والابجديةاليونانيه مع اضافة بعض الحروف التي استعاروها من الخط الديموطيقي .. وقد اطلق علي هذا الخط اسم "اللغة القبطية"
وهكذا يتبين لنا ان الكتابة قد ظهرت في مصر منذ الالف الرابع قبل الميلاد وظلت تتطورعبرالاف السنين وقد عثر في جزيرة فيلةعلي نص مكتوب بالخط الهيروجليفي يرجع تاريخه الي عام 394 بعد الميلاد كما عثر علي نص مكتوب بالخط الديموطيقي يرجع تاريخه الي عام 470 بعد الميلاد ..وبالنسبه للغة القبطية فمازالت مستعملةحتي الان علي نطاق محدود بداخل الكنائس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق